هل السياسة سياسة “لا فوكاها ولا جواها” مثلما يقال؟ أعتقد لا. هناك ما فوق السياسة وما تحتها وهي المصالح. والمصالح في السياسة دائمة بعكس الصداقة او العداوة التي هي دائما مؤقتة. ربما تتحول العداوة الى محبة “فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”. وفي أمثالنا الشعبية نقول “ما من محبة إلا من بعد عداوة”. هذا ينطبق على الافراد مثلما ينطبق على الدول. إذن هذه هي السياسة التي يسميها اهلها “فن الممكن”. ولعل من الطرافة أن مفردة سياسة “politice “ حصلت لها إزاحة في قاموسنا الشعبي حيث نقول لمن يحاول أن يخدعنا بتصرف معين أو يدبر أمرأ بليل أو ماشابه ذلك أن لديه “بلتيقة” أو أن هذه القضية او تلك عبارة عن “بلتيقة وما تعبر علينا”. و”البلتيقة” هي مفردة “البولتيك” الإنكليزي بمحمول شعبي عراقي تحديدا.
فعلى كثرة ما نشاهد من مسلسلات عربية “مصرية , سورية, خليجية” لا نكاد نسمعهم يتداولون مثل هذه المفردة المشبعة بدوال عراقية متعددة تبدأ من “الحسجة” وتنتهي بـ “الحيلة” مرورا بـ “الخدعة” وهي “البلتيقة” مع أن هناك من يحيلها الى أصل تركي اسوة بمفردات اخرى وردتنا من الاتراك نتيجة احتلالهم الطويل للعراق “أربعة قرون” لكن حتى لو صح ذلك بشكل من الأشكال فإن الأتراك أخذوها من أصلها الأوروبي.
لو اردنا البحث عن المجال التطبيقي لهذه المفردة وتوابعها ودلالاتها من خلال واقعنا السياسي وأخضعناها للفحص في ضوء ما يجري الحديث عنه من خرائط وتحالفات سياسية بين القوى المختلفة فإن أقل ما يقال هو أن ما يجري ينطبق عليه مفهوم “البلتيقة” بالمعنى العراقي “الحسجاوي” اكثر مما ينطبق عليه المعنى القاموسي الصحيح لمفردة السياسة بوصفها “بولتيك لا بلتيقة”، فالكتل السياسية تريد تحالفات على مقاسها هي لا مقاس الواقع. فهي تريد الاحتقاظ بأوزانها الانتخابية التي تمنحها فرصة التمدد في الدولة “وزارات ومؤسسات وسفارات” وبالتالي سلسلة “استفادات” إن صح التعبير لكنها تعمل على عمل خلطة من خداع للجمهور ولرجال الدين وللقوى المحلية والإقليمية والدولية في محاولة لإقناع كل هذه الأطراف بما يسمى التغيير. فإذا كان المقصود بالتغيير هو وضع مجموعة خرائط سياسية على الطاولة وكلها عابرة للطائفية والعرقية فإن كل هذه القوى والجهات والأطراف الباحثة عن التغيير لا تستطيع في الواقع مغادرة البيئة المذهبية أو العرقية او الحزبية او الجهوية التي تمثلها، فهي ليست عابرة لتمثيلها المناطقي بكل ما يمثله من إحالات طائفية وعرقية وحزبية وحتى عشائرية بقدر ما هي عابرة فقط لحدود تحالفها مع حزب أو كتلة من نفس المذهب أو العرق أو المنطقة، الامر الذي لا يعني عبورا بالمعنى الحقيقي الذي يمثله التيار المدني على الأقل في شعاراته واهدافه المعلنة بل هو عبور لحاجز التحالف المذهبي اوالعرقي لكي يحصل تحالف آخر ظاهره عابر لكن داخله يمثل الاستحقاق المحاصصاتي نفسه لكن بـ “لوفة” جديدة هي عبارة عن “بلتيقة” يراد لها الآن ان تتجسد كخيار انتخابي من خلال قانون نص جديد وسانت نص ليغو جديد. وبالتالي تحالفات.. نص ستاو.
مقالات اخرى للكاتب